كان من أبناء حيها . .
يرمقها بنظرة حب خجولة , وكثيراً ما كانت تبادله إياها .
كانا يدرسان معن ... يتصادفان في الباص
كانا يراقبان الشمس . . وهي تسطع من خلال أشجار السرو , أو عند غروبها . . فيريان أشعتها تخترق أغصان
الشجر جاعلةً إياها . . شيئاً غريباً .
كانا كطفلين يضحكان , لأقل شيء ينتابهما موج عارم من الضحك . . في الحارة بيتاهما متقابلان . . شرفة مطبخ
بيته تواجه نافذة غرفة الاستقبال . .
هي ما كانت تطيق الدراسة فيها , ولكن بعد التعارف ما أصبحت تطيق البعاد عنها . . كانت تجلس على الأريكة المقابلة للنافذة حيث تراه ويراها . . كانا سعيدين . .
حين أراد أن يتقدم لخطبتها سعدت ووافقت وقررت محادثة أهلها . . وهو اشترى بذلة جديدة سوداء
من مخمل رائع . .
وربطة عنق أروع . . كان له أب مقعد وأم متوفاة
. . بلا أخوة أو أخوات . . وكان مع كل هذا . . سعيداً جداً . .
كان في المطبخ يحضر كأساً من الشاي حين حانت منه التفاتة إلى . . غرفة الاستقبال المقابلة . .
فرأى آخر ما كان يتوقعه . . عروسه المستقبلية تجلس بجوار رجل آخر
ترتدي بدلة عرس و . . لم يعد يرى شيئاً . . بالكاد وصل إلى أقرب كرسي . . لم يستفسر . .
بعد أسابيع سمع القصة من الجيران . .
((ابن عمها طبيب , قادم من فرنسا , غني بسيارة فخمة . . حمل عروسه وطار إلى باريس . .
عاصمة الأضواء . . .)) وصم أذنيه عن الباقي . .
كانت في الباص جالسة بجوار النافذة . . كما كانت تجلس وهي جامعية شابة . .
جلست وبجوارها فتى ذو شارب أسود . .
ولحية بدأت بالنمو على صحن خده الأسمر
, وبجواره جلست فتاة في العشرين من عمرها . . كانا ثمرة زواجها . .
الطبيب والجامعية
. . عمره خمسة وعشرون عاماً . . وعمرها العشريني يلمع كما الشمس .
. كانت تجلس وعيناها على القرص الأحمر الذي يكاد يختفي خلف غصون أشجار السرو الخضراء . .
وبسرعة تذكرت تلك الشمس منذ ستة وعشرين عاماً ,
تذكرت كيف كانت معه . . مع حبيبها . . الأول والأخير. .
تذكرت يده الدافئة على يدها المرتجفة خجلاً. .
لم تحاول مرة سحب يدها من يده . . ومن عينيها السوداوين
حاولت دمعة السقوط . . فحاولت أجفانهما منعها
. . لذا . .
أدارت نظرها عن قرص الشمس الذي بدا شيخاً هرماً
. . وعندما أدارت رأسها وقعت عيناها على . .
على عينين لطالما . . تأملتهما . . عيناه هو . . أجل هو . .
ابتسم لها فابتسمت ابتسامة مريرة . . لم تمنع الدمعة هذه المرة . . وعادا ينظران النظرة الأخيرة لهما معاً . .
وكان غياب الشمس وراء أشجار السرو كالعادة . .
بقلمي التواضع