إذا كنت تشعر بالإجهاد البدني بعد عناء يوم من العمل فلا تتناول قرصا من الأسبرين أو تخلد إلى النوم، فقط عليك أن تستنشق رائحة الليمون النفاذة، فإنها كفيلة بأن تعيد إليك نشاطك وحيويتك.. هذا ما خلص إليه فريق علمي في جامعة طوكيو اليابانية.
ربما يكون الحديث عن العلاج بالروائح العطرية ليس جديدا؛ إذ يرجع استخدامه إلى حوالي ستة آلاف عام؛ فالبرديات الطبية التي يعود تاريخها إلى نحو عام 1555 ق.م تحوي علاجات لأمراض بدنية ونفسية باستخدام الزيوت العطرية، لكن فريق جامعة طوكيو استطاع أن يقدم أول دليل علمي على أن رائحة الحمضيات، وعلى رأسها الليمون، لا تكافح الإجهاد الذهني والعقلي فحسب بل تقتل الإجهاد البدني أيضا، وتساعدك على الاسترخاء.
وذكرت صحيفة "التلغراف" البريطانية في عددها الصادر الجمعة 24-7-2009 أن فريق البحث في جامعة طوكيو عثر لأول مرة على مركب يدعى "لينالول" موجود في روائح الفواكه والحمضيات، كالليمون، وله تأثير فعال في تقليل الإجهاد؛ إذ يؤثر على 109 من جينات الجسم البشري، وفيها ما يسبب ارتفاع كرات الدم البيضاء في الدورة الدموية.
وقال قائد فريق البحث، آكيو ناكامورا، إن فوائد العلاج بروائح الفواكه والحمضيات، مثل الليمون، كانت تقتصر في الماضي على تخفيف الآثار النفسية، على اعتبار أنها تقنية تساعد على استرخاء الجسم، لكن الفحوص أثبتت وجود آثار مادية للعلاج بالروائح؛ فمركب "لينالول" الكيميائي له تأثير مباشر على كرات الدم عند استنشاقه.
وأضاف ناكامورا أنه عندما يكون الشخص عصبيا أو خائفا من شيء ما، فإن كرات الدم البيضاء ترتفع، وهذا بدوره يمكن أن يتسبب في أمراض عدة، مثل الاكتئاب، والأرق، والضغط، ومشاكل بالقلب، وقد أثبتت تجارب فريق البحث أن "لينالول" يخفض ارتفاع مستويات كرات الدم البيضاء؛ ومن ثمّ يقلل الشعور بالإجهاد البدني.
وقد نشرت نتائج الدراسة اليابانية في دورية الكيمياء الزراعية والغذائية، وأكدت أن رائحة نبات الخزامي والمانجو وغيرها لها نفس تأثير رائحة الليمون على الجسم.
وعن آلية عمل العلاج بالروائح، قالت الدكتورة صهباء بندق -المتخصصة في الميكروبيولوجية الطبية والمناعة وعضوة هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة- إن أسلوب العلاج بالروائح العطرية يرتبط ارتباطا مباشرا بالأنف والجلد؛ إذ يشكلان نقاط التوزيع الأساسية للعلاج.
ويشكل هذا العلاج نوعا من العلاج بالعقل أيضا؛ فالعلاج بالروائح الزكية لا يؤثر في حاسة الشم وحدها، بل يرافق ويتناغم مع الحواس الأخرى؛ حيث يشكل جسرا بينها ليتحول الجسد بأكمله إلى معزوفة متناغمة تعزفها أوركسترا الحواس.
وتضيف د.صهباء أن المفعول العلاجي للزيوت العطرية يرجع إلى قدرة هذه الزيوت على النفاذ بدرجة فائقة خلال طبقات الجلد؛ نظرًا لحجم جزئياتها المتناهي الصغر؛ وهو ما يجعلها تمتص إلى تيار الدم، وتحدث تأثيرات عامة لها نتائج طيبة في علاج بعض الأمراض، كالصداع، اضطرابات الهضم، ارتفاع ضغط الدم، وغيرها.
ذلك بالإضافة لما تمتاز به أغلب هذه الزيوت من مفعول مطهّر يقضي على الجراثيم، ولكل رائحة أو زيت قوته العلاجية الخاصة، كتخفيف التوتر ومقاومة العدوى الميكروبية أو كمنشط جنسي.
فاللافندر والتفاح المتبل يزيدان من نشاط موجة "ألفا" للمخ؛ وهو ما يؤدي إلى الاسترخاء، بينما يؤدي استنشاق رائحة الياسمين أو الليمون إلى ارتفاع نشاط موجات "بيتا" بمقدمة المخ، وبالتالي إلى زيادة الانتباه والتركيز، كما اكتشفت بعض الأبحاث أن الزيت العطري لشيح البابونج "الكاموميل" مادة مضادة للالتهابات، في حين أن زيت القرنفل مادة مضادة للميكروبات.
وأضافت د.صهباء أنه ليس من الجديد القول بأن رائحة الكافور تجعل عملية التنفس أفضل؛ وهو ما جعله وصفة شعبية رائجة جيلا وراء جيل، في صورة نقط للسعال أو دهان للصدر، كما استخدم في روسيا لعلاج الإنفلونزا.
وتمثل الزيوت العطرية إحدى أهم المواد الأساسية التي ينصح باستخدامها خبراء تمارين الاسترخاء الذهني والبدني، إضافة إلى خبراء التدليك وعلوم المساج الطبي، وذلك بهدف التخلص من التوتر والقلق الذهني الذي تولده ساعات العمل الطويلة وضغوط المكتب.
فعلى سبيل المثال يساعد زيت اللافندر على الاسترخاء واستعادة التوازن في الجسم والنفس والعواطف، ويساعد على النوم واستعادة السكينة ويريح العضلات المتعبة، كما أن له القدرة على تحفيز جهاز المناعة، وله خصائص مطهرة للبشرة.
ولفتت د.صهباء إلى أنه على الرغم من أن بعض المشكلات الصحية -كاحتقان الأنف- قد تستجيب على الفور لاستنشاق زيت عطري فإن العلاج قد يستغرق في بعض الحالات عشر جلسات حتى يظهر التأثير الإيجابي المرغوب.
وسواء كانت الروائح قادرة على قهر الضغط العصبي أو تعمل كمنشط أو تزيد من نمو الشعر أم لا، فإن هذا الموضوع يستحق أن نجربه دون أن ننسى أن الحساسية ضد العطر تثير بعض الناس، وكون الزيت طبيعيا لا يعني بالضرورة أنه آمن تماما