السلام عليكم
سيكولوجية الغيرة
إنه من العسير أن يعترف إنسان ما بأنه غيور ، فالغيرة شعور لا ينظر إليه أحد بارتياح حتى ولو كانت فى حدود المعقول والمقبول ومع ذلك فهى ليست دائما شعورا سلبيا طالما لم يصاحبها رغبة فى الإيذاء والحقد أو الكراهية أو ربما الجريمة :
*فالغيرة فى العمل قد تكون حافزا على المنافسة الشريفة والإجادة .
*وفى الحب والعاطفة يقولون إنها مطلوبة وضرورية طالما هى هادئة وعاقلة .. وكم تغنى لها الشعراء وأنه لا حب بلا غيرة ، لأننا عندما نحب نخاف أن نفقد الشخص الذى نحبه ، ويصفها البعض بأنها ( البهارات ) ويصفها البعض الآخر بأنها سم قاتل فالغيرة أحيانا تقوى العلاقة وأحيانا أخرى تدمر إذا تجاوزت الحد .
والبعض يكون أكثر ميلا للغيرة بطبيعته على البعض الآخر . بل إن نفس الشخص قد يكون غيورا فى موقف ما وغير غيور فى مواقف أخرى .
الغيرة الطبيعية وحدودها
حينما تزيد مشاعر الغيرة لدى شخص ما فليس ذلك معناه أنه مريض ، وأن غيرته أصبحت مشكلة ، فقد تسيطر علي الشخص فى بعض المواقف مشاعر الغيرة وبشكل زائد ، كما أن مشاعر الغيرة قد تؤثر تأثيرا سلبيا على حياة الشخص الغيور ، ولا ننسى أن حياتنا الاجتماعية المضغوطة ترهقنا إلى الحد الذى نفقد الشعور فيه بالسيطرة على انفعالاتنا ، وقد تجعلنا نغار بشكل زائد لأننا فى هذه الأوقات نحتاج لاهتمام أكثر من الشخص الذى نحبه فنريد أن نحتمى به فى أوقات الأزمات ولو عن طريق الغيرة .
لكى تكون حياتك طبيعية : قليل من الغيرة ومزيد من الحب
مظاهر الغيرة وديناميكيتها
إن مظاهر الغيرة هى مزيج من القلق والخوف والتوتر والضيق ، والغيرة تظهر فى السلوك ولا يعبر عنها مباشرة بالكلمات ومن المؤسف أن نتصور أن الغيرة مظهر للحب القوى الجامح ، فالحقيقة أن الحب ما لم يكن راسخا فهو لا يستطيع الصمود فى وجهها لأن الغيرة تنبع من الشعور بالاحتقار.
ولعل أهم ما وصلت إليه أبحاث علماء الطب النفسى وعلم النفس من نتائج ، هو أن الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار والحرمان من العطف يكونون أكثر عرضة للغيرة فى رجولتهم من أولئك الذين أحيطوا بالمحبة من كل جانب ، والتسامح والتفاهم من جانب الآباء فى تربيتهم لأطفالهم من شأنه أن يحد كثيرا من استعداد أولئك الأطفال من الشعور بالغيرة فى مستقبلهم.
والإنسان الغيور يحمل بعض ملامح الشخصية الاضطهادية والتى لديها حساسية زائدة فيجسم الأمور ويبالغ فيها ويحمل الأشياء والكلمات والمواقف معانى بعيدة عن الحقيقة .
(إعصار الغيرة المرضية يقتلع ويدمر ويهلك )
ولا ننسى دور وسائل الإعلام مسموعة ومرئية من أفلام ومسلسلات محورها الأساسى المشاهد المتعلقة بالغيرة
فنشاهد الزوجة وزوجها يعانى من غيرتها المرضية والحمقاء ( والعكس صحيح ) ، وتتشابك خيوط العمل الدرامى مما تدفع الزوج لأفعال متهورة وحب آخر وطلاق فى نهاية المطاف مما يثبت هذا الجانب السلبى المدمر لمشاعر الغيرة بين الأزواج .
كما قد تكون غيرة الشخص مظهرا من مظاهر قلقه على وظيفته ومستقبله.
ومعظم الغيورين من الناس يعانون من الشعور بالدونية وعدم الثقة بالنفس فى أعماقهم هذا بالرغم مما يحاولونه من تمويه بالتظاهر والأنانية البالغة وقد يدفع بهم حرصهم على كتمان سرهم إلى الغيرة الشديدة التى قد تصل إلى حد العنف والعدوان .
ملامح الغيرة المرضية وأبعاده
عندما نتحدث عن الغيرة المرضية نقول أنها الغيرة التى تخرج عن نطاق السواء النفسى ، وتستحيل معها الحياة فى هدوء وطمأنينة . فالغيرة المرضية هى لهيب يحرق كل شيء وينزع الحب وتقضى على الثقة وتنتهى بغرس بذور الكراهية ، والشخص المصاب بالغيرة المرضية تسيطر عليه مشاعر النرجسية وحب الذات ، إذ يريد أن يكون محور انتباه واهتمام الشخص الآخر إن أمكن كل الوقت كما أن الشخص المصاب بالغيرة المرضية يتجاهل الأدوار المختلفة للشريك الآخر حيث أن لكل شخص فى حياته أدوارا متعددة يقوم بها ، حيث أن ظروف مجتمعنا الحالى تستدعى وجود علاقات مهنية فى العمل أو خارجه من هنا تبدأ ظهور المشاكل والمآسى والانهيارات ، فالغيرة المرضية ما هى إلا هذاءات أو ضلالات راسخة داخل الشخص يؤمن بها إيمانا مطلقا ، ولا يمكن مناقشة أدلته الضعيفة الغير مرتبطة بالموضوع وغير دالة على أى شئ ، ولكن هذه الأدلة لها قيمة قصوى عنده ويبنى كل سلوكه على هذه الفكرة المرضية فالغيرة المرضية هى أفكار تنبع من عقل شخص مريض .
هل للغيرة من علاج ؟
إن السلوك الإنساني من الممكن تغييره أو تعديله ، فالغيرة المرضية سلوك معيب ويمكن أن نخفض من حدتها الزائدة إذا عرفت أسبابها ، ولابد أن تكون هناك نقطة معينة يستطيع فيها الشخص التحكم فى انفعالاته وعدوانيته ووساوسه – كما انه لابد للإنسان أن يكون صريحا مع نفسه وأن تكون هذه المصارحة عن طريق الحوار الهادىء معلنا عن شكوكه الخفية .
والجدية مطلوبة فى الحوار مع الشخص المصاب بالغيرة المريضة ، كما لابد من توفير الجو الصحى لهذا الشخص للاعتراف بغيرته ، كما انه من الهام أن يبتعد الرفيق الآخر عن الأمور الاستعراضية التى تهز الشخص العادى والتى قد تثير كوامن الغيرة فى الشخص الغيور فيتحول إلى شخص موتور !
وفى النهاية لابد أن نقول أنه لابد من فهم المواقف التى تؤدى إلى الشعور بالغيرة وكيفية التصرف فيها لكى تستمر العلاقة قوية ويجب أن تتفهم الزوجة مثلا وجود العلاقات العادية بين الجنسين فى العمل وهذا لا يعنى إطلاقا وجود علاقات عاطفية بينهما .
ويبقى أن نقول أن الغيرة مردها إلى العاطفة وليس العقل وأن سلاحها الوحيد إنما هو الشك بلا مبرر .