مرض انتشر بنسبة لا بأس بها بين الناس و المعلومات حوله قليلة
ان كلمة الفصام Schizophrenia اليوم تسترجع الى الأذهان أسماء مثل (ناتش) و (ياتس)أما نتش فهو موضوع الفلم الفائز بجائزة الأوسكار تحت عنوان عقل جميل Beautiful Mind اشتهر بوصفة معجزة في الرياضيات وفاز في نهاية المطاف بجائزة نوبل عن أعماله المبكرة ولكنه صار مختلاً إلى حد كبير نتيجة إضطراب دماغي في طفولته أدى إلى فقده مهنته الأكاديمية والتخبط لكثير من السنوات قبل شفائه
أما ياتس فهي أم لخمسة أطفال كانت تعاني من الفصام والإكتئاب معاً وإشتهرت بإغراق أولادها في حوض الإستحمام ((إنقاذاً لهم من الشيطان)) وهي تقبع اليوم في السجن.
تعد معاناة ناتش وياتس نمطية Typicalفي بعض جوانبها ولا نمطية Atypical في جوانبها الأخرى فنحو 1% من المصابين بالفصام في العالم غالباً ما يعانون من عجز كامل في كهولتهم وبدلاً من أن يكونوا عباقرة على غرار ناتش يبدي العديد من المصابين ذكاء يقل عن معدله العام حتى قبل أن تظهر عندهم الأعراض التشخيصية و بالتالي يعانون المزيد من التراجع في معامل الذكاء (IQ) حين تترسخ العلة وتحديداً في كهولتهم المبكرة ولسؤ الحظ لايشكل إلا قلة منهم عمالة رابحة .
وعلى النقيض من ياتس فإن أقل من نصف عدد المصابين بالفصام يتزوجون ويكونون أسراً . و أن ما يقارب 15% ينتهون إلى السجن بتهمة التسكع . هذا ويعش 60% من المصابين في فقر , كما ينتهي واحد من كل عشرين الى التشرد . وبسبب قلة المساعدة الإجتماعية يصبح مزيد من المصابين بالفصام ضحايا أكثر من كونهم مقترفين لجرائم عنيفة .
الناحية الدوائية :
تتوافر الأدوية ولكنها تبقى محط إشكالية . وإن الخيارات الأساسية المتوافرة حالياً تكمن في مضادات الذهان Antipsychotic من إيقاف جميع الأعراض على ما يقارب 20% من المصابين الذين يستجيبون الى هذا النوع من العلاج طالما إستمرت معالجتهم , بيد أن الكثيرين منهم يقلعونمع الزمن عن تناول العقاقير و غالباً ما يكون ذلك بسبب تأثيرات جانبية لهذه العقاقير , أو بسبب رغبتهم في أن يكونوا طبيعيون أو بسب فقدانهم للرعاية الصحية والعقلية . وتحقق مضادات الذهان لثلثي المصابين تخفيضاً للألم ومع ذلك تبقى الأعراض التشخيصية طيلة حياتهم .
عقبات معالجة هذا الإضطراب:
- إن عدم كفاية ترسانة الأدوية لا يعد إلا واحدة من عقبات معالجة هذا الإطراب المأساوي
- إن عدم كفاية النظريات التي توجه هذا العلاج تعد عقبة أخرى
ألية عمل الخلايا الدماغية :
إن الخلايا الدماغية (العصبونات) تتواصل فيما بينها عن طريق تحرير كيماويات معينة تدعى (النواقل العصبية Neurotransmitters ) بحيث أنها إما أن تستثير أو تثبط عصبونات أخرى غيرها . وعلى مدى العديد من القرون تركزت نظريات الفصام على الناقل العصبي الدوبامين Dopamine ولكن في السنوات القليلة الماضية أتضح أن الدوبامين ما هو ألا جزء في القصة وتوجه العلماء نحو ناقل عصبي أخر هو الكلوتامات Glutamate.
الأعراض المصاحبة لمرض الفصام :
في طريقنا إلى البحث عن العلاج المناسب للفصام لابد من معرفة الأعراض المصاحبة لهذا المرض
صنف العلماء هذه الأعراض إلى :
الأعراض الإيجابية و السلبية و الذهنية
الأعراض الإيجابية : يألف الناس الأعراض الإيجابية , ولاسيما الهياج Agitation والأوهام الزورانية Paranoid (التي يشعر صاحبها بالتأمر ضده) والهلوسات Hallucinations وتكون بشكل أصوات محكية يسمعها المصاب .
أما الهلوسات المتحكمة Command Hallucinations التي توحي للمرضى بإيذاء أنفسهم أو بإيذاء الأخرين فهي علامة منذرة بالشر يصعب مقاومتها ويمكن أن تستحث أفعالاً عنيفة.
الأعراض السلبية : الذاتية Autism (بمعنى عدم الاكتراث بالناس الآخرين أو الجوار المحيط)
الجمع بين النقيضين في الشعور Ambivalence
التأثير الجامد Blunted affect (الذي يتمثل في التعبير الوجهي الجامد وغير المتبدل)
نقص التلقائية (نقص العفوية)
تخلخل الترابط الذهني
صعوبة إنشاء وفاق وتباطؤ في الحركة وقد يسبب فتور الشعور و اللامبالاة مصادمات بين المرضى و أسرهم التي يمكن أن تظهر على شكل كسل ولا مبالاة .
كشف المرض :
يقيم المصابون بالفصام عبر اختبارات ((بالورقة والقلم))مصممة لكشف التلف الدماغي عندهم فإنهم يبدون نموذجاً يوحي بخلل وظيفي واسع الإنتشار . وفي واقع الأمر تتأثر إلى حد ما جميع نواحي عمل الدماغ بدءا من أكثر العمليات الحسية الجوهرية حتى أعقد النواحي الفكرية . وقد تتأذى بشكل خاص وظائف معينة مثل القدرة على تكوين ذكريات جديدة سواء كانت مؤقتة أو مستديمة أو القدرة على حل المشكلات المعقدة . وكذلك يبدي المرضى صعوبة في حل المشكلات اليومية مثل وصف حيثيات الصداقة أو مايمكن فعله إذا ما انطفأت جميع أضوار البيت دفعة واحدة.
وإجمالاً يتأمر الفصام لسلب مرضاه الصفات التي يحتاجون إليها فعلاً للنجاح اجتماعيا : الشخصية personality و المهارات الاجتماعية و الفطنة.
التكاليف الاجتماعية الباهظة التي يوقها الفصام :
يوقع الفصام الذي يصيب نحو مليوني أمريكي , خسائر فادحة في المجتمع . فنظراً لأنه يميل الى الظهور في بداية سن البلوغ فإنه يمثل حساباً ضخماً في فواتير الرعاية الصحية وفي الأجور الضائعة , بحيث يعد واحداًمن أكثر الأمراض تكلفة في الولايات المتحدة .
ويمكن للعلاج والدعم الإجتماعي القوي بعض المصابين بالفصام من العيش حياة منتجة مريحة , ولكن غالبية الأفراد ليست على هذا القدر من الحظ . فأقل من ثلث عدد الأفراد المصابين بالفصام يستطيع إيجاد عمل , ونصف هذا العدد لا يمارس العمل لأنهم يحظون بمساعدات كبيرة . ونشير إلى أن الرجال (وهم يصابون بأعراض الفصام أبكر من النساء ) عادة ما لا يتزوجون , وأن النساء (اللواتي يعقدن العزم على الزواج )غالباً ما لا يدوم زواجهم .
وبسبب كون المصابين بالفصام غالباً ما يعزلون أنفسهم ويبقون دون عمل , فإنهم يشكلون على الدوام شريحة كبيرة من السكان المشردين .
هذا وينزع المصابون بهذا الاعتلال إلى احتمال عال بأن يصبحوا مدمنين . فنحو 60% من ذوي الأعراض الفصامية يدخنون السجائر , ونصف عددهم يتعاطى الكحول أو الماريجوانا أو الكوكائين . ويمكن أن تؤدي هذه الفعاليات إلى ضعف في عملية المعالجة . و إلى تفاقم الأعراض الذهانية psychotic وتزايد في النزوع إلى العنف (أما الممتنعون عن التدخين وتعاطي الكحول و المخدرات , فإنهم لن يكونوا أعنف من الناس العاديين ).
وينتهي التشرد و إدمان تعاطي مواد مخدرة بالعديد من المصابين بالفصام إلى السجون و المعتقلات حيث يخفقون في تلقي المعالجة التي يحتاجون إليها .
ولا تنتهي الأرقام المقيتة عند هذا الحد : إذ يلجأ نحو 10% من المصابين بالفصام إلى الانتحار (وعادة ما يكون ذلك في المراحل المبكرة من المرض ) وهذه نسبة تفوق النسبة التي ينتحر بها المصابون باكتئاب شديد . ولكن ثمة ملاحظة بينة :
لقد ثبت الآن أن الكلوزابين Clozapine الذي ظهر عام 1989 كعقار لا نمطي مضاد للذهان Atypical Antipsychotic , يقلل من خطر الانتحار و إدمان مواد مخدرة .
ولكننا ننتظر تحديد ما إذا كانت هناك مواد Agents لا نمطية أكثر حداثة وتمارس مفعولاً مماثلاً.