حوار بين
الصدق و الكذب
قال الكذبُ للصدق:
كم لوناً لك؟
قال الصدق
لماذا تسأل؟ لي لونٌ واحد، لون الصدق والصراحة. أنا ثابت في لوني. وأنت هل لك أكثرُ من لون؟
قال الكذب
بالطبع إني أتلون وأتغير حسب الظروف. أما سمعت بالكذبة البيضاء؟
قال الصدق
هذا يعني بالتأكيد أن لك ألواناً عديدة. لأنهم فيما يتكلمون عن كذب أبيض، فهذا أكبر دليل على وجود كذب أسود وغيرِ أسود أيضاً. وأريد أن أسألَك ما الفرقُ بين الكذبة البيضاء والكذبة السوداء؟
قال الكذب
إنهم يسمونها بيضاء لأنها تنجي صاحبَها، وتستر عليه، وتخفف من حدة النقاش والتساؤلات بين الأطراف، ولكن، لوقت قصير.انهم يستعملونها وقد تعودوا عليها وليست سوى مدخلٍ لكذب أخطر.
قال الصدق
لقد سألتك عن الفرق فرحتَ تشرحُ بإسهاب, فإني أكررُ السؤالَ، ما الفرق بينهما؟ ما الفرقُ بين الكذبة البيضاء والكذبة السوداء؟
كله كذب ، هذه هي الحقيقةُ. فالفرقُ بينكما كما الفرقُ بين هرٍ أبيضَ وآخر أسود، أو كلبٍ أبيض وكلب أسود، فكلاهما كلب. فلماذا التلون؟
قال الكذب
إني أتلون لأسهّلَ عملية الكذب على الكثيرين ولأغري الكثيرين.
قال الصدق
هذه عادةُ معلمِكَ إبليس فهو كذّابٌ منذ البدء.
قال الكذب
هذا ذكاء. هذا دهاء. وتجارتي رابحة وزبائني لا يُحصون، أما أصحابُك فقليلون.
قال الصدق
إسمح لي أن أقول: إن أصحابي، مع قلّتهم، كلّ واحد منهم يساوي ألف كذاب وكذاب. لأن رجلَ الثقة لا يُقدّرُ بثمن ومن يجده؟ الإنسان الصادقُ يُفرّح القلب، يُريح البال، يُثلجُ صدورَ محبيه. هو مصدرُ سعادةٍ وارتياح.
قال الكذب
وأنت، اسمح لي أن أقول: كم من عداوةٍ سبّبتها لك صراحتُك وصدقُك
قال الصدق.
إني أوافقُك ولا أوافقك في الوقت ذاته.
قال الكذب
ما معنى كلامِك؟
قال الصدق
سأشرح لك. إن التقى صريحٌ صادقٌ مع كذاب، فلن يتفقا، وبالطبع ستنشأُ العداوةُ بينهما. أما إذا التقى صريحان صادقان فإنهما سيتوافقان، حتماً، مهما توسعت صراحتهما.
قال الكذب
لماذا لا توافقني على أن الكذبةَ البيضاء لها طابعُ المزاح أكثرُ من الكذب.
قال الصدق
سوف أناقشك بأسلوب آخر. ماذا لو مزح قلبُك معك وتوقف لعدة دقائق مثلاً؟ ماذا لو توقفت رئتاك عن التنفس بعضَ الوقت؟ مهما أطلقت على نفسِك من أسماء لن تكونَ سوى مجرّد كذب.
قال الكذب
لقد ضخمت الأمور، فالكذبةُ البيضاء ليست الا كذبةً صغيرة لا تقدّم ولا تؤخّر.
قال الصدق
كلُ شيء يبدأُ صغيراً لينتهيَ كبيراً وخطراً.
قال الكذب
لا يهمُني. سأحافظُ على ألواني طالما أكثريتُهم يفضّلونني ولا يميّزون.
قال الصدق
مع الأسفِ إنهم جاهلون، وإن أصرّوا على جهلهم سيُحاسبون. إن الحقيقةَ ستفضحُك عاجلاً أم آجلاً وينتهي عملك. ومهما تشامخت فغيرَ الكذب لن تكون.
والى هنا انتهى الحوار بينهما
منقول