تختلف قصة نبي الله ابراهيم عليه السلام عن قصص الأنبياء الآخرين، فابراهيم عليه السلام يلقب بأبي الأنبياء وشيخ الحنفاء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتخر ويقول: “إني عبدالله في أم الكتاب وخاتم النبيين، وان آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي ابراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت انه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم” رواه أحمد في مسنده.
لقد ورد ذكر ابراهيم في 12 سورة من القرآن هي: الأنعام والنحل وابراهيم والحجر والأنبياء ومريم وهود والشعراء والعنكبوت والزخرف والذاريات والصافات.
ولقد أحسن الإمام الزمخشري عندما لخص لنا قصة ابراهيم مع المشركين فقال: ما أحسن ما رتب ابراهيم كلامه مع المشركين حين سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقدر لا مستفهم ثم انحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع على تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من ان يكون شبهة فضلاً عن ان يكون حجة.
ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها الى ذكر الله، فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وإنشائه الى حين وفاته مع ما يرجى في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك ان دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل اليه ابتهال الأوابين، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع اليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال، وتمنى الكرة الى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
إذن جاء ابراهيم عليه السلام ليكمل أيضاً رسالة التوحيد، وقد لاقى من قومه الصد والإعراض والكيد لدرجة ان ألقوه في النار لولا ان الله قال للنار: كوني برداً وسلاماً على ابراهيم.
لو تأملنا في قصة أبي الأنبياء ابراهيم لوجدنا انه كان أمة وحده كما وصفه الله تعالى، وإلا فكيف يبتلى كل هذه الابتلاءات ومع ذلك يصبر ويصمد ويكون مثالاً لمن يأتي بعده؟
1- انظر الى أسلوبه وطول نفسه في الدعوة عندما دخل وحطم أصنام قومه ثم واجههم بأسلوب التهكم ولم يخش من بطشهم ولا غضب أبيه آزر. بل وانظر الى تأملاته في الكواكب واتخاذ أفول الشمس حجة على قومه في بطلان عبادتهم لغير الله.
2- ثم انظر الى تعامله مع القدر حينما ابتلاه ربه بذبح ولده الذي كان فرحاً بشبابه، لكن الله أمره بذبحه، فشاور الولد وكان الولد أكثر منه إيماناً بالقدر حيث قال لوالده يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين، لكن الله لم يرد من ابراهيم إلا امتحان قلبه ففدى ولده بذبح عظيم.
3- وانظر أيضاً الى مواجهته لفرعون ذلك العصر نمرود حيث أراد قتل زوجته لكنه استطاع ان يتخلص منه بأسلوب رائع وجميل، فهو خير من يدافع عن أهله وعرضه، ونمرود كان يقتل النساء الجميلات.
4- ثم انظر الى بنائه الكعبة التي لم يبق أثرها منذ عهد نوح، حيث شمر هو وابنه اسماعيل عن ساعد الجد فرفعا البيت وهو يقول: ربنا تقبل منا إنك انت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك انت التواب الرحيم.
وبالفعل صار حج البيت منذ ذلك اليوم الذي بنى الكعبة وأذن بالحج سنة متبعة، بل ومكة بلداً آمناً فيه من كل الثمرات، رغم انها بلد غير ذي زرع.
وانظر اليه أيضاً عندما يلقى في النار كيف يستقبل ذلك بقلب مطمئن. يذكر الآلوسي في تفسيره “روح المعاني” ما روي عن أبي بن كعب انه قال: حين أوثقوا ابراهيم ليلقوه في النار قال لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، ثم رموه فأتاه جبريل وقال: يا ابراهيم ألك حاجة؟ قال أما إليك فلا، قال جبريل فاسأل ربك فقال: علمه بحالي حسبي من سؤالي[i]