«لم يتسع المكان جسدها الصغير ذا الحولين والنصف لتكوره تعبيراً عن خوفها بعد سقوطها في البئر» هذا كان حال «شهد الكيالي» التي انتظرت بصبر نحو 10 ساعات لتخرج بعدها للحياة مجدداً مكسورة القلب خوفا ومحطمة اليدين بحكم السقطة، وتنقل إلى مستشفى دمشق «المجتهد» بسيارة النجدة لأن سيارة الإسعاف غادرت المكان قبل موعد خلاص الطفلة ربما قناعة من سائق السيارة بأن الموت محتم عليها، بعد أن قبعت كل هذه المدة على عمق 23 متراً في بئر ماء جافة ومكشوفة لا يتجاوز قطرها الثلاثين سنتمتراً.
القصة تختصر بهروب شهد من سيارة عبرت حارتها في منطقة حي الزهور نهاية الزاهرة، لتفاجأ بفتحة مكشوفة لبئر مياه جافة تلقفتها وأبقتها في جوف البئر 10 ساعات استمر خلالها عمال الإنقاذ من فوج إطفاء دمشق يحاولون إنقاذها وقبل كل شيء إبقاءها على قيد الحياة رغم قسوة الطقس وارتفاع درجات الحرارة، فأنزلوا لها الهواء المضغوط لتتنفس والماء لتشرب وراقبوها بالكاميرات وحدثتها خالتها مرة ووالدها تارة أخرى لدفعها على وضع يدها في الحلقة التي أنزلوها في محاولة لإنقاذها بها بعد إخفاق الكماشة الآلية لضيق المكان، ولكن المحاولات جميعاً فشلت فيداها محطمتان ولا يمكنها تحريكهما وقدرتها على الاستجابة ضعيفة بحسب تصريح قائد فوج إطفاء دمشق فوزي المفلح لـ«الوطن أونلاين» ولكنه أكد أن صحتها جيدة والمحاولات لن تنتهي لإنقاذها.
وكان آخر هذه المحالات فكرة الأسياخ المزودة بانحناءات أشبه بصنارة السمك أدخلت في ثيابها ورفعت، وسبقها محاولة عملية حفر بجانب البئر بخط يشكل زاوية حادة مع مكان توضع الطفلة ولكنها فشلت بسبب الخطورة العالية للحفر مع العلم أن عمر البئر بحسب الأهالي يزيد على 25 عاماً وقمصانها الداخلية متهالكة وهذه النتيجة أي تهالك القمصان الداخلية تشكلت بعد محاولات إخراج شهد بطريقة ابتكرها منقذ الطفلة التي سقطت في قرية الناصرية بداية العام الجاري «محمد عبد العال» وتتركز الطريق بإدخال رأس الطفلة بكيس أشبه بكيس البصل مربوط بحبل سحب متين يتم رفعه فوراً ولكن العملية فشلت أيضاً.
في الختام نجحت جهود الإنقاذ وعادت «شهد» إلى أحضان والدها مريض القلب ووالدتها التي انهارت من هول الصدمة لتسجل غيابها عن ساحة المحاولات إلى أن جاءها خبر الخلاص، ولكن النجاح الذي كان هدف زمرة الإنقاذ لم يمنع قائده المفلح من السؤال «كيف يمكن أن توجد بئر مكشوفة في منطقة مكتظة بالسكان؟ ولماذا لم تغلق أو تطمر؟»، وهذا كان لسان حال جميع من حضر عمليات الإنقاذ من أهال ومسؤولين وكان الجميع لا يعرفون وجود الكثير من هذه الحفر التي سماها خبير السلامة والوقاية من الحوادث محمد الكسم في تصريحه لـ«الوطن أونلاين» من موقع الحدث بـ«حفر الموت» وتابع: إنها ليست استثنائية بل منتشرة بكثرة في دمشق وريفها وأغلبية المحافظات، وهنا لا بد من الحديث عن الوقاية أولاً، وتابع الكسم إن «البلديات تتحمل المسؤولية أولاً عن مثل هذه الحوادث، أو ما يصح تسميته الإهمال حيث ترى العديد من الحفر المفتوحة إما للصرف الصحي وإن بئراً كما هو الحال في حادثة «شهد»، وهنا أكد الكسم «ضرورة إيجاد رقم طوارئ مختصر من ثلاثة أرقام فقط وموحد لكل محافظة يتلقى شكاوى المواطنين ويسجلها ويتابعها مع الجهات ذات العلاقة».
«رقم الطوارئ» هذا برأي الكسم أهم بكثير من الحديث عن الحريق بعد حدوثه أو موت طفل في حفرة صرف صحي كما حصل مع الطفل «محمد» في كفر سوسة والذي أخرج جثة هامدة من محطة معالجة المياه المالحة في عدرا بعد مسيرة أكثر من 25 كيلو متراً في الأنابيب، وأكد الكسم أن البلديات ومن قبلها المحافظات جميعها لديها الميزانيات الكافية والمعدات الثقيلة والخفيفة الوافية بالغرض إضافة لآلاف الموظفين العاملين في مديرات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة وغيرها، فلماذا لا يتم التعامل مع الأخطار المنتشرة على الطريق أو في المناطق النائية كحال البئر المكشوفة في حادثة «شهد» ويتم توجيه البلدية ذات الصلة وهي التضامن بإغلاقه فوراً بدلا من الانتظار حتى يسقط طفل ربما ينجو بأعجوبة كما حصل مع «شهد» وربما يفارق الحياة بسبب إهمال موظفي البلدية وكسلهم؟.
أما عن دور الأهالي فتحدث الكسم بأن المشكلة تتمثل بعدم وجود رقم أو جهة واحدة يمكن التواصل معها «فأنا مثلا أرى كل يوم مشكلة على الطرقات من تحويلات دون إشارة أو حفر خطرة ولكن من أبلغ» والكلام للكسم الذي تابع: «تبلغ الشرطة فتقول: إن الموضوع اختصاص النقل وتبلغ الإطفاء عن سلك كهربائي متدل فتقول: إن مهمتها تنحصر بالحرائق بعد حدوثها لا قبل ذلك، وفي حال الوصول إلى رئيس البلدية لمعالجة أي حالة يمكن ألا يتم الأمر بالسرعة المطلوبة أو يهمل وهنا وضح الكسم أن مهمة الجميع هي محددة وكلامهم دقيق ولكن البلدية تشرف على كل هذه المديرات وهي المسؤولة عنها بشكل مباشر، والسؤال هل على كل مواطن أن يتحدث لرئيس البلدية عن المشاكل الموجودة في الحارة وهل يستجيب رئيس البلدية بمثل هذه الحالة والجواب واضح بأن «لا».