يستعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لاستقبال ضيفهم الكريم شهر رمضان المبارك، وبهذه المناسبة نسأل الله العلي القدير أن يجعله شهر خير وبركة على الأمتين العربية والإسلامية، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجمع شملنا ويوحد كلمتنا، إنّه سميع قريب.
وورد في الحديث الشريف عن سلمان رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان، قال: “يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فريضة فيه كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”(أخرجه ابن خزيمة)، حيث كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والذين معه يحيون أيامه ولياليه، ويتّخذون منه مدرسة يتلقون فيها الدروس والتجارب.
وصوم رمضان فرض على كلِّ مسلم عاقل بالغ قادر على الصوم، مقيم (حيث أباح الله للمسافر أن يفطر)، وطهارة النساء من الحيض والنفاس، خالٍ من الأعذار التي تبيح له الفطر، سواء أكان ذكرا ًأم أنثى. وإذا كان جزاء الصائمين الثواب العظيم، فإن عقاب المفطرين بدون عذر شرعي العذاب الأليم، ومن الأحاديث الشريفة التي وردت في هذا الشأن، ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:” من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه” (أخرجه ابن ماجه).
كما وردت أحاديث كثيرة ترهب من الإفطار في رمضان، نذكر منها قوله – صلى الله عليه وسلم -: “عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان”(ذكره السيوطي).
ولقد حظي شهر رمضان بألوان من الطاعات والخيرات لا تقع مجتمعة إلا فيه، وبالتالي فإن الناس يبتعدون عن كثير من المخالفات، والصيام يحقق الخشية من الله، والرقابة الذاتية التي تجعل المسلم يدع طعامه وشرابه من أجل الله، وتلك الفضيلة هي المقصودة من وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للشباب حين قال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر، وأحصن للفرج؛ ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) (أخرجه البخاري). إن الدين الإسلامي لا يحارب الغرائز، بل يعمل على تهذيبها، وإنّما هي الحكمة السامية لمدرسة الصيام، حيث يتعلّم المسلم من مدرسة الصيام عزيمة الرشد ويقظة الضمير.
وهو شهر خصَّه الله بجزيل الثواب للصائمين، وهو شهر تصفَّد فيه الشياطين، وتغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنّة، فقد ورد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، وفتحت أبواب الجنّة، وينادي مناد “في الملأ الأعلى”: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار كل ليلة من رمضان) (أخرجه مسلم)، وهو شهر يستجيب الله فيه دعاء الصائمين، كما في قوله تعالي: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (سورة البقرة، الآية (186))، وقال سبحانه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(سورة غافر، الآية (60)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا تردُّ دعوتهم : الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) (أخرجه الترمذي).
وهو الشهر الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. يقول – صلى الله عليه وسلم –: “وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”. وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. يقول تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(سورة البقرة ، الآية (185).
وهو الشهر الذي فيه ليلة القدر، التي وصفها الله تعالى بأنها خير من ألف شهر.
يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(سورة القدر، الآيات (1-5).
شهر رمضان خير كله نهاره وليله، وأوله وأوسطه وآخره، فالمسلم في نهاره صائم وليله قائم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) (أخرجه البخاري).
ولشهر الصوم أهداف وثمرات طيبة منها: أنه مكفر للذنوب، فلقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رمضان يقول: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، تحط فيه الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء، وينظر الله تعالى فيه إلى تنافسكم، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشَّقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل”(ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/142).
ومن أهدافه أيضاً أنه شهر التجارة مع المولى تبارك وتعالى، فإذا كان تجار الدنيا ينتظرون المواسم لرواج تجارتهم وبضاعتهم وزيادة أموالهم، ويتحملون في سبيل ذلك الآلام والأهوال في السفر، وقد يتعرّضون لكثير من الأخطار والمخاوف فإذا حققوا أمنيتهم وربحوا في تجارتهم ذهبت عنهم تلك الآلام، فما بالكم بالتجارة مع الله تعالى!
إذا ثبت هلال رمضان وتحققت رؤيته في أي بلد، فإنّ ثبوته ينبغي أن يلتزم به المسلمون جميعاً، ومن المخجل أن نثبته في بلد، ونأبى إثباته في آخر لا يبعد عنه إلا مسافة قليلة قصيرة، فقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأقدروا له”(أخرجه مسلم).
ويستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: “الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبُّ ربُّنا ويرضى، ربّنا وربك الله”(أخرجه الدارمي).
وبهذه المناسبة نهنئ أبناء الأمتين العربية والإسلامية بقرب حلول شهر رمضان المبارك، ونسأل الله العلي القدير أن يكون شهر رمضان المبارك شهر خير وبركة على الأمتين العربية والإسلامية، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجمع شملنا ويوحد كلمتنا، إنّه سميع قريب.