ليكن كلاماً على "بساط أحمدي" بعيداً عن القوالب و التنميقات و المقدمات التي اعتدنا تقديمها للقارئ متذرعين بالضرورات الأكاديمية و الضوابط المهنية ، باختصار .. منتخبنا فاشل و مخجل ولا يليق بسوريا ، لا بغرب آسيا ولا بشرقها ولا حتى بأصغر دوري في أصغر قرية من قراها .
أكثر من 50 عاماً و ذاك الفيلم الفاشل الذي لفظه شباك التذاكر يعاد أمام أنظارنا و نحن مجبرون على مشاهدته باستمرار دون أن نملك الحق باستبداله ، و بماذا سنستبدله و لا يوجد لدينا غيره !، و حتى بعض المشاهد الجميلة التي ندر وجودها في هذا الفيلم ، شوهوها بعد حين و اعترفوا لنا بأنها لم تكن سوى خدع سينمائية حاولو بها تنميق الصورة القبيحة التي لازمتنا منذ بداية الفيلم إلى الآن علماً أنه (أي الفيلم )لم ينته بعد !.
مساء أمس أضيفت مباراتنا مع المنتخب الكويتي إلى دفترنا الكروي الأسود ، و الذي لم يعد يحتمل أية إضافات جديدة ، بعد أن أثقلته النقاط السوداء على مدى خمسين عاماً و نيف ، حتى الروح المعنوية التي طالما تغنينا بها هي و رفيقها التوكل و صديقاتها العزيمة و الإصرار و الوطنية ، رحلت إلى غير رجعة مخلفة ما يترفع المنطق عن اعتباره كرة قدم .
في بدايات بلادنا الكروية لم تكن وسائل الإعلام متواجدة إلا ماندر ، و كان أربابنا الرياضيون يقدمون لجمهورنا الدرويش ما تشتهيه أنفسهم و ما يمليه عليهم شيطانهم ، فتزور النتائج و تستباح حرمات الملاعب ، ونأكل نحن المقلب بكل طيبة قلب و نبلع السكين و نحن مستمتعون.
و لكن لماذا يحاول هؤلاء الأرباب الضرب بجملة "زمان أول تحول" عرض الحائط !، و الله لم يعد جمهورنا الكروي "درويشاً" و لم يكن يوماً من الأيام "جاهلاً "، ووسائل الإعلام المحلية و العالمية عرت كل شيء و لم يعد بالإمكان إخفاء أي شيء ، حتى وسائل إعلامنا المحسوبة على أرباب العمل الرياضي ضاقت ذرعاً بهم و لم تعد قادرة على تغطية سوآتهم .
هي مشكلة متجذرة منذ الأزل ، بطلها اللاعبون و الإداريون و القائمون عليها كبيرهم و صغيرهم ، و ضحيتها الوحيدة هذا الجمهور المتعطش لرؤية بلاده متفوقة في كل المحافل .
عاتبني رئيس التحرير لأنني لم أكتب تقريراً خاصاً عن لقائنا مع الكويت و اكتفيت بتغطية وكالة الأنباء الألمانية للبطولة ، إلا أنني و بصدق لم يسعفني قلمي بحرف بعد نهاية اللقاء ، لأن ما حصل في هذه المباراة لخص معاناة كرتنا منذ الأزل.
ليس تشاؤماً ولا تطيراً ، بل هو واقع يجب الحديث عنه بعد أن مل السوريون التبريرات المسبقة الصنع ، منتخبنا فاشل و كرتنا فاشلة رغم بقع الضوء التي نراها بين الفينة و الأخرى فهي فاشلة ، و ستبقى فاشلة ما دامت زمام أمورها معلقة بيد ثلة من الأشخاص اللذين طوبوها بأسماء آبائهم و ضربوا أوتادهم بالأرض معلنين البقاء للأبد ، مترافقين مع أصحاب الكروش من اللاعبين المنتهيي الصلاحية و الذين لا زالوا يلطخون قميص الوطن بفشلهم و واسطاتهم .
لم نكن ننتظر من اتحادنا الجديد القديم (بحكم العادة) أي تحرك من شأنه أن يطور كرتنا ، فخدنا (و الحمد لله) تعود على اللطم ، إلا أنهم اتخذوا قراراً لم يستطع من سبقهم على اتخاذه ، فعزلوا من وعد بالبقاء ما بقيت ميسلون ، و شرعوا بالبحث عن البديل.
و كعادتنا فإن أي مدرب أجنبي نحاول إحضاره إلى بلدنا ، يجب أن يخضع لشروط و قوانين و امتحانات ، لذلك فهو مطالب بأن يقبل بأقل الرواتب و أسوء المعسكرات و أكبر الواسطات و لو على حساب جماهير غفيرة و علم وطن .
بعد أن استبشر المعارضون للمدرب السابق (وهم الأغلبية) بتغييره ، أتحفنا اتحادنا الموقر بمدرب لم تحفل سيرته الذاتية سوى بالهرب من معسكرات المنتخبات التي دربها و الغرامات التي دفعها للاتحادات بسبب مخالفته للعقود !، فهل باتت مسألة إحضار مدرب من الصف العالمي أمراً مستحيلاً ، هل باتت الخسارة أمام اليمن أو أمام فريق مدينة تركية أمراً غير جدير بالاهتمام أو المتابعة أو التقصي عن الأسباب ، رغم أننا مللنا إلا أنني و على لسان معظم جماهير سورية أقول "كفاكم استهزاء بمشاعر الناس .. كفاكم لعباً بسمعة الوطن"، الأمر ليس مجرد رياضة ، بل حتى لو كان كذلك فإن الرياضة باتت واجهة البلاد الأولى و من أهم الدلائل على تطورها و رقيها.
كرتنا بحاجة إلى طوفان ، يقتلع يابسها و أخضرها (إن وجد) ، و ما استدعاء المحترفين من مغتربينا في أوروبا كفيل بانتشال الزير من البير ، بل لن يتعدى جعلهم شماعة نعلق عليها فشلنا المعتاد.
مل وطننا من الحلول المؤقتة ، و لن يكفي وجود مغتربينا و محترفينا و مدربنا الأجنبي ، لنقدم مستويات طيبة في البطولة القارية القادمة ، فما بني على باطل لن ينتج إلا باطلاً ، و ليكن هذا تشاؤماً ، فلم يعد هنالك مجال للمحاباة أو التبرير ، و أبشروا بمشاركة كومبارسية اعتدنا عليها .
و على أمل أن يأتي اليوم الذي يرى فيه أحفاد أحفادنا تخطيطاً سليماً و دعماً صادقاً خالياً من الوعود المطاطة و الشعارات الرنانة ، لرياضتنا المتهالكة في سبيل مشاهدة مباراة نهتف بعدها لسورية فرحاً بالفوز ، لا يسعنا إلا أن نستجدي القائمين على كرتنا من لاعبين و مسؤولين بالقول "ارحمونا ..أو اتركونا" ، فبعد أن "تمسحنا" لم يعد هنالك مجال للسكوت على مضض ، ولا حتى للتسليم بالأمر الواقع ، و إلى أن نفرح برحمتهم أو مغادرتهم ..تصبحون على منتخب.