الإسوارة الرخيصة والثمن الغالي؟!
حين وقف نايف أمام واجهة المحل الزجاجية يتأمل الأساور الذهبية والمصاغ على أشكاله معلقا على نحو أخاذ لم يخطر في بال السيد ميشيل صاحب المحل أن نايف ستكون له قصة طويلة وحين أطال نايف الوقوف اضطر صاحب المحل أن يسأله وبحركة من يده وراء الزجاج عما يريد.
عندها تشجع نايف ودخل على استحياء وسأل صاحب المحل عما إذ كان يرغب في شراء هذه الإسوارة دون أن ينتظر جوابه مد يده إلى جيبيه واخرج اسوارة مبرومة وقدمها للصائغ .
امسك ميشيل الاسوارة بلا مبالاة ونظر إليها مليا واخذ يقلبها يمنة ويسرى ثم وضع المنظار على عينه يبحث عن خاتم نقابة الصاغة فلما وجده وجد أن عيار الاسوارة 12 قيراطا سأله كم يريد ثمنها أجاب نايف وبلهجته البدوية المحببة قد ما يقول الشاري أصر ميشيل على هذا البدوي أن ينطق بالثمن أولا لأن هذا حقه والبدوي من جهته اخذ يراوغ مستدرجا ميشيل إلى أن يقول هو الثمن بالأول.
استنتج ميشيل من إمساك البدوي عن ذكر ثمن الاسوارة التي يريد بيعها له انه لا يعرف بالضبط ثمنها لا بل قد لا يكون هو صاحبها فأعطاه رقما اقل من ثلث ثمنها.
وكم كانت دهشته عظيمة حين قبل نايف هذا البدوي الساذج وعلى الفور أرسل ميشيل نظرات حذرة إلى خارج المحل ليتأكد أن ما من احد ينتظر هذا البدوي ومد يده إلى درج الطاولة وعد المبلغ بسرعة فائقة وناوله للبدوي الذي خرج سريعا إلى الشارع وغاب في زحمة الناس.
امسك ميشيل الاسوراة ثانية وكأنه لم يصدق ما جرى معه فالاسوارة ثمينة فعلا واشتراها بسعر بخس للغاية فأعاد فحصها ثانية ووضعها في الميزان ثم تناولها ووضعها في الخزانة الحديد وهو يدعو الله في سره أن يسوق له بدويا أخر بنفس السذاجة
عاد والعود احمد
بعد يومين وفيما كان ميشيل يرتب بضاعته في الواجهة وينسقها على نحو يلفت نظر الزبائن كما يفعل كل الصاغة أصحاب المحلات وإذ بسيارة جيب يقودها شرطي والى جانبه ضابط برتبة ملازم أول ينزل ويأمر عنصرا آخر بأن يصحب الرجل الموقوف إلى خارج السيارة انزل هذا الرجل وبدأ ينظر بنظرات قلقة زائغة محاولا أن يتذكر ويشير بيده إلى محل السيد ميشيل ويقول نعم هذا هو المحل لم يحتج ميشيل إلى الكثير من الوقت ليدرك تفاصيل الموضوع فهو كصائغ قديم في السوق يعرف تماما أن شراء المصوغات دون إيصال يثبت شراء صاحبها لها أمر ممنوع ويعرض المشتري إلى المساءلة والعقوبة ولكن ميشيل يدرك أيضا أن لكل شيء ثمنه فشراء اسوارة بعشرة ألاف ليرة بينما قيمتها الحقيقة خمسون ألف له مخاطرة ومن قبل المخاطرة فعليه أن يتحمل نتائجها ووالى هذه النتائج أن يتخلى عن هذه الاسوارة وعوضه على الله
المداهمة
دخل الضابط إلى المحل ومعه الرجل الموقوف ويداه مكبلتان بالقيد يتأبطه رجل من كل جانب وبدت علامات النعمة على وجهه بقايا الدم من انفه ومن فمه الكدمات على الوجنتين ما تحت الجفون ازرق كالكحل وبدا من الواضح أن هذا الرجل كان في جلسة استجواب حامية قادت هؤلاء الرجال إلى محل السيد ميشيل وميشيل لم يلزمه الكثير من قوة الذاكرة ليعرف من هذا الرجل انه البدوي نايف الذي جاءه قبل يومين وباعه الاسوارة
سال الملازم أول نايف إلى من بعت المصاغ يا كلب
فأجاب نايف وهو يرتعد ذعرا إلى هذا وأشار بيده إلى ميشيل
هل آنت الذي اشتريت منه المصاغ
أجاب ميشيل وكأنه لم يدرك بعد تفاصيل السؤال
نعم اشتريت منه هذه الاسوارة
وفتح ميشيل صندوق الحديد واخرج الاسوارة ذاتها وقدمها للضابط
امسك الضابط بالاسوارة وأعاد السؤال على نايف وبقية المصاغ لمن بعته يا كلب
أجاب نايف وشفتاه ترتعدان خوفا بعتها له يا سيدي هنا أدرك ميشيل تفاصيل السؤال انصرف معنى التفاصيل إلى كلمة بقية المصاغ أعاد الضابط السؤال على نايف بقية المصاغ يا كلب
بعتها له يا سيدي بس لا تضرب هو الذي اشتراها مني
هنا التفت الضابط إلى الصائغ ميشيل وطلب منه أن يخرج بقية قطع المصاغ الذي سبق واشتراها من هذا اللص الخطير الذي انتحل صفة الرجل البدوي وافهمه أن اللص واحد من أفراد عصابة خطيرة ارتكبت العديد من جرائم السطو المسلح وكانت معظم مسروقاتها من الحلي والجواهر الثمينة والمصاغ المشغول وأنهم بصدد استرداد كافة المسروقات وان عليه أن يكون متعاونا معهم ويثبت حسن النية في هذا الموضوع وإلا سيعتبرونه شريكا مخبئا للمال المسروق ولم ينس الضابط أن يذكره بمقدار هذه العقوبة سبع سنوات أشغال شاقة يا ميشيل
أحس ميشيل بمدى الورطة التي وجد نفسه فيها فهو لم يشتر حقيقة إلا اسوارة واحدة من هذا البدوي وإثباتا لحسن النية بادر فورا وسلمها للضابط ولكن من أين له أن يسلم بقية المسروقات وهو الذي لا يعلم عنها شيئا يا للمصيبة
حاول ميشيل أن يعترف الرجل البدوي طالبا منه أن يتذكر لمن باع بقية قطع المصاغ وإلا يتبلى لناس حرام عليك يا رجل خاف الله يا زلمة ولكن نايف الذي كان يتحدث قبل يومين بلهجة بدوية بطلاقة محببة بدأ يتحدث الآن بلهجة أهل المدينة وأصر على انه باع قطع المصاغ والألماس إلى هذا الرجل
هنا وجد الضابط نفسه يضع السيد ميشيل أمام حلين أما التوقيف بجناية الاشتراك في عمليات السطو المسلح وأما أن يصحبه إلى القسم ومعه كل البضاعة الموجودة وبهدوء مع أوصاف قطع المصاغ المسروق
أهون الشرين
أمام هذين الخيارين لم يجد ميشيل بدا من أن يقوم بجمع كل قطع المصاغ الموجودة في المحل وما أكثرها ويضعها في كيس واحد ويحكم قبضته عليه ويخرج مع رجال الدورية ويركب معهم السيارة الجيب على مرأى الأصدقاء والجيران حتى أن بعضهم سأله أن كان بحاجة إلى مساعدة فبادر الضابط وطمأن المتجمهرين بقوله ساعة زمن ويعود
في القسم
قسم الشرطة كان مؤلفا من طابقين الأرضي فيه النظارة مكان التوقيف وغرفة الديوان فقط أما الذي يعلوه ففيه مكتب رئيس القسم وغرفة المعاون وغرف أخرى ولهذا القسم مدخلان الأول يطل على الشارع العام والثاني على الزقاق الجانبي فلما وصل الملازم أول وبصحبته العناصر والموقوف نايف ومعهم الصائغ ميشيل الذي امسك بالكيس المليء بقطع المصاغ والألماس وقف الملازم أمام باب النظارة وأمر الشرطي أن يفتح الباب ويستقبل هذا الرجل أمانة لديه بعض الوقت وأشار بيده إلى الصائغ ميشيل ريثما يقابلون السيد العقيد رئيس القسم ووجد ميشيل نفسه ودون أن يدري وراء قضبان باب النظارة ، وكيس المصاغ بيد الملازم
مضت ساعة ساعتان بدا ميشيل يلح على الشرطي أن يتصل مع السيد رئيس المقسم ويسأله إلى متى سيبقى رهينة في هذا المكان ولم يصغ الشرطي سمعا إلى أن تجاوزت الساعة الثانية بعد الظهر وقت انصراف الشرطي نفسه حينئذ فقط اتصل هاتفيا بالسيد العقيد وطلب منه أن يوافيه بورقة الزج وفق الأصول أن كانت هناك نية في إبقاء هذا الرجل موقوفا في النظارة ..
وهنا فقط توضحت الصورة العقيد لا يعلم من هو هذا الرجل ولا الشرطي نفسه يعلم ولا احد في القسم يعلم وان هؤلاء كانوا مجرد أشخاص غرباء احدهم يرتدي بذة الملازم أول دخلوا من الطابق الأول الرئيسي وغادروا من الطابق الثاني إلى الزقاق الفرعي وان العملية من أولها إلى أخرها كانت عملية نصب واحتيال تمت في وضح النهار بكل وقاحة
لا دخان بلا نار
انتشرت الحكاية كالنار في الهشيم وبدأ الناس يتناقلونها كأنها طرفة صالحة للتندر البعض ظن أنها فيلم سينمائي بوليسي من نسيج مخيلة كاتب صاحب تجربة درامية أما البعض الآخر فقال إن لم تكن هذه الحكاية نقلا عن فيلم سينمائي فإنها تصلح فعلا فيلما سينمائيا لذلك الفيلم
على الطرف الآخر كانت أجهزة الأمن تتابع ما حدث باهتمام شديد لأنها وجدت في هذه العملية الجريئة أكثر من سطو وانتحال صفة فيها تطاول بما يلامس الاعتبار ومن ثم من يدري أنها ستكون العميلة الأخيرة
أمرت إدارة المباحث بتشكيل فريق عمل يتفرغ لهذه القضية بكاملها بلا كلل حتى يميط اللثام عن فاعليها ويسوقهم إلى القضاء لتطمئن البلاد والعباد
كان لدى فريق العمل ثلاثة عناصر هامة تشكل ثلاثة منطلقات أساسية الأول هو السيارة الجيب والثاني وجوه الأفراد الذين داهموا محل الصائغ ميشيل أما العنصر الثالث فهو أن هؤلاء يعرفون أن المبنى الذي يشغله قسم الشرطة له مدخلان ومخرجان لا سيما أن المدخل الأخر المطل على الزقاق الفرعي لا يعرفه إلا المقيمون أو المترددون على القسم .
من هذه الثوابت انطلق فريق العمل فبدأ أولا في البحث عمن شاهد رقم السيارة الجيب ولم يكن صعبا أبدا أن أهل الجوار من الصاغة كانوا قد قرأوا الرقم الذي تحمله وحفظوه لا لأنهم شكوا بأمر السيارة وإنما ليعرفوا عائديتها إذا تم توقيف ميشيل وبالبحث والتدقيق تبين أن رقم السيارة الجيب لم يكن مزورا إنما يعود لسيارة هي في الخدمة وهذه المعلومة على بساطتها قادت فريق العمل إلى فك رموز هذه الأحجية التي كانت صعبة
أصل الحكاية
عصابة مؤلفة من نايف وهشام وهيثم جمعتهم ظروف التشرد والضياع والإفلاس الأول نايف لفظته بلدته أبو كمال فجاء إلى دمشق باحثا عن عمل وظيفي فانتهى متسكعا في المقاهي والبارات والثاني سعيد فراتبه لا يكفيه مدة أسبوع لأنه مصاب بداء القمار أما الثالث والرابع فهما من سجن عدرا المركزي ما أن يطلق سراحهما لانتهاء العقوبة حتى يعودان وكان في خروجهما فترة نقاهة وتنفس
أما حكاية السيارة و بذة الملازم الأول فيجدر ان نقف عندها لحظة البزة المستعارة والسيارة مسروقة
كان احد المصورين في ساحة المرجة يعرض نماذج من إنتاجه في اللوحة الزجاجية المعلقة مدخل البناء تشجيعا منه لمن يرغب في أن يتصور وفي جملة الأزياء التي يعرضها بذات عسكرية وبدوية وعقال وحطة وبذات مموهة كالتي يلبسها الفدائيون وبذات بحرية حتى أن لديه الكثير من الأسلحة الدمى وكل ما يشتهي قلب المغامر والمراهق
من هنا استطاع هيثم أن يستعمل بزة الملازم الأول ولقاء زهيد أما السيارة الجيب فالمفتاح المصنع لذي يتقنه سعد كفيل بتشغيل اعقد سيارة والسيارة ستكون في مهمة لا تتجاوز النصف ساعة ثم تعود إلى مكانها أمام القسم
لا من شاف ولا من دري أما نايف فاستطاع بلهجته البدوية أن يدخل في روع الصائغ ميشيل انه ساذج ولم يدر ميشيل انه هو الساذج نفسه ووقع في مطب الجشع والطمع أمام هذه الواقعة التي هزت امن المدينة قرر وزير الداخلية إحالة هؤلاء الأشرار إلى المحكمة الميدانية وصدرت عليهم الأحكام عشرون عامل أشغال شاقة فقط لا غير
يلي بيعمل بايدو الله يزيدو بس الله لا يوقعنا بايدي اللصوص الحقرة قولو امين يا رب بس كيف الهون هالجرئة؟؟؟