قد لا يمر اسبوع من الزمن الا وتتناقل الاخبار تفاصيل جربمة شرف حدثت في منطقة ما من سورية ، ولم تنجح الجهود التي بذلت في هذا المجال الى الحد من هذه الجرائم التي ما زالت اسباب اعطاء القاتل العذر المخفف مثار للجدل..
أطلقت جملة التعديلات التي صدرت بالمرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011، والتي رسمت تعديلاً على العديد من مواد قانون العقوبات السوري، ومن أبرزها إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات المتعلقة بعقوبات جرائم الشرف واستبدالها بنص جديد, عدداً من الاستفسارات تركزت حول أهمية التعديلات في حال بقاء العقوبات غير رادعة، وحقيقة حماية حق الحياة المقدس لكل المواطنين والمواطنات.
ونصت المادة 15 في المرسوم الجديد على إلغاء المادة 548 والاستعاضة عنها بنص يوضح الاستفادة من العذر المخفف في حال مفاجأة الشخص لزوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، ليعاقب بالحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات بجرم القتل.
هذه الاستفسارات والتساؤلات التي خلقت جدلاً واسعاً بين الأوساط المهتمة بقضايا المرأة قامت سيريانيوز بالوقوف على أبرزها حيث التقت المحامي نزيه معلوف ليؤكد أن "إرادة المنظمات المعنية بحقوق المرأة لم تتوجه إلى إلغاء المادة 548 فقط، بل ركزت على تعديل المادة 192 والتي تقع تحت مظلتها معظم جرائم الشرف"، لافتاً إلى أن "جميع الجهود التي قامت بها لجان المشاورات القضائية تركزت على إلغاء المادة 548 النادرة الحدوث، دون التعرض للمادة 192 بالتعديل أو الإلغاء".
عقوبة غير واضحة
وأضاف المعلوف أن "طبيعة التعديل لا تتآلف مع العدالة ومع نظرية (تفريد العقوبة) كونها ساوت بالعقوبة بين من يقتل شخصين مع من يقتل شخص واحد، بدليل نص المادة التي توضح أن من أقدم على القتل أو الإيذاء لكلا الشخصين أو أحدهما بغير عمد عوقب بالحبس من 5 إلى 7 سنوات في حال القتل"، مشيراً إلى "عدم وضوح العقوبة كونها احالت الى العذر المخفف بداية حين نصت على أنه يستفيد من العذر المخفف ..... ثم لجأت الى تحديد العقوبة بما يتعارض مع المادة 241 التي تنص على العذر المخفف .....وبعد ان حددت عقوبة القتل فإنها اغفلت تحديد عقوبة الايذاء ولم تبين مقدار العقوبة كما فعلت في عقوبة القتل .. ولم تميز بين درجات الايذاء التي تبدأ من الايذاء البسيط الى العاهة الدائمة أو العجز الوظيفي الكامل.
وأكد المحامي أن "التعديل لم يحدد ماهية الصلات الجنسية الفحشاء، بل ساوى بينها وبين جرم الزنا وهو كلام غير مقبول، فماذا لو رأى إنسان ما شخصا يلامس أحد أقربائه فهل يرقى ذلك إلى مرتبة الزنا حتى يتم التبرير للمجرم الإقدام على القتل شأنه شأن من رأى شخص في فراش زوجته"..
ولفت المعلوف إلى أن "المأخذ على هذا التعديل المساواة بين الصلات الجنسية الفحشاء وبين جرم الزنا المشهور، إضافة لترتيب نفس العقوبة في الحالتين".
القانون السوري ذكوري
وحول بعض الدعوات التي صدرت للإبقاء على المادة 548 والانتقادات التي وجهت للتعديل أشار المعلوف إلى أن "هذه الدعوات تدل على ذكورية القانون السوري وتميزه بين الرجل والمرأة كونه لم يساوي بينهما في حال تبدلت الأدوار وقامت المرأة بالقتل حين فاجأت زوجها يخونها في فراش الزوجية"، معتبراً أن "هذا الوضع خرق للدستور وإعلان حقوق الإنسان والتي تنص على المساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس أو اللون".
وأضاف المحامي والقاضي السابق في محكمة الجنايات أن "نقطة الخلاص من هذه الحالة المربكة إلغاء المادة بشكل كامل، كون القانون السوري يتضمن المادة 242 والتي تنص على الاستفادة من العذر المخفف في حال أقدم المجرم في حال الغضب الشديد على جرم ناجم عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه، وهي تشمل كافة الحالات كما أنها أكثر عدالة وحضارة ودون تمييز"بين رجل وإمرأة .
وحول المادة 192 التي لم يطرأ عليها أي تعديلات لفت المعلوف إلى أن "العذر المخفف بهذه المادة يتجه لكل فعل يكون فيه الدافع المسبب للجرم دافع إنساني، كأن يتعرض شخص لحادث سيارة ويقوم أحد الأشخاص بإسعافه عن طريق استعمال سيارة الغير...أو ارتكاب جريمة بقصد انقاذ ارواح المواطنين أو حماية المرافق العامة من مجرم ضال ، فهنا الدافع شريف ويجب فيه تطبيق المادة 192، لكن حصر هذه المادة بقضايا الجنس فقط يخرج عن ارادة المشرع.
التعديل يجب أن يطال المادة 192
وأشار المحامي إلى أن "المأخذ الواضح على المادة 192 أنها لم تحدد ما هو الدافع الشريف أو الأعمال التي تنطوي تحته وانما الاجتهادات القضائية الصادرة في سوريا هي التي تصدت الى تعريف الدافع الشريف وحصرته في القضايا المتعلقة بالجنس دون الالتفات إلى القيم الاخلاقية الأخرى ..... تلك الاجتهادات التي ترسخت عبر عقود من الزمن تمتد الى عام 1948 في زمن تحكمه العقلية المتخلفة التي لم تستطع مواكبة التطور الثقافي والحضاري الذي يشهده القطر وإن الابقاء على تلك الاجتهادات يتعارض مع الدستور وحقوق الانسان وبطريقة لا تنسجم مع روح العصر، ".
ونوه المعلوف إلى أن "التعديل يجب أن ينصب حول المادة 192 بتوضيح الدافع الشريف ومجال تطبيقها كونها لم تتعرض لأي تعديل منذ وجودها، إضافة لصدور معظم الأحكام في قضايا الشرف تحت مظلة هذه المادة وليس وفق المادة 548 التي طالها التعديل ..
من جهته، أكد رئيس مرصد نساء سورية بسام القاضي أن "التعديل الأخير الذي طرأ على المادة 548 التي تتعلق بعقوبة القاتل بدافع الشرف، ثبت بشكل صريح وواضح انتهاكاً للدستور السوري، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللاتفاقيات الدولية المختلفة التي صادقت عليها سورية، كونه ناقض مطالب الحملة الوطنية المناهضة لجرائم الشرف التي أطلقها مرصد نساء سورية منذ أيلول 2005، والتي أثبتت خلال السنوات الست الماضية أن مئات النساء السوريات يذبحن سنويا على امتداد الوطن"، مطالباً "الحكومة السورية بالتصرف حيال المادة 192 التي تبيح لكل رجل أن يقتل بلا حدود طالما الموضوع يتعلق بالشرف وعرف المنطقة".
المادة 192 لم تحدد الدافع الشريف
وتنص المادة 192على الاستفادة من الدافع "الشريف" للقتل كعذر مخفف لعقوبة القتل, إذ أنه إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفا قضى بجملة عقوبات منها الحبس البسيط بدلا من الحبس مع التشغيل, ولا تحدد المادة 192 الدافع الشريف كما لا تترك تحديده للقاضي بل تنص على اعتباره سببا مخففا لابدَ من تطبيقه متى توفرت أسبابه ولا يؤثر في حصوله بعد مدة على وقوع الحادث وإن امتد لعدة أشهر ما دام القاتل قد علم به للتو ولم تهدأ عاطفته من آثار علمه بما وقع.
ولفت رئيس مرصد نساء سورية إلى أن "التعديل قلل فقط من المكافأة الممنوحة للقتلة بأن رفع الحد الأدنى للعقوبة إلى 5 سنوات، إلا أنه من جهة أخرى ارتكب خرقا قانونيا صريحا، وانتهاكا دستوريا لا يقر صراحة وفداحة حين أوجب العقوبة بالحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل كونه يشكل إقرارا لا لبس فيه أن العقوبة لن تتجاوز سبع سنين بأي حال من الأحوال"، مشيراً إلى أن "تعديل المادة 548 مرفوض جملة وتفصيلا لأن أي تعديل سيتضمن حكما للذكور يحق لهم فيه بقتل نسائهم".
وأردف القاضي أن "الرفض المطلق للمادة 548 نصا وفكرة لا يعني أنها الأكثر استخدما في نحر النساء السوريات، بل هي المادة 192 من القانون نفسه التي تبيح جعل القاتل بطلا والتي تم تجاهلها كليا في التعديل المذكور"، منوهاً إلى "عدم إمكانية إيقاف شلال الدم الذي يحصد المئات سنويا، دون تعديل المادة 192 لتتضمن حظرا صريحا على استخدامها في أي قتل للنساء بذريعة الشرف".
وأضاف القاضي أن "وبعد تشديد العقوبة فيما يخص المواد المرتبطة بشكل أو بآخر بالعذر المخفف243، 244، تجاهل المرسوم كلية المواد 240، 241 والمادة 242، والتي تشكل الأب الروحي للمادة 192، والتي تنص على الاستفادة من العذر المخفف في حال أقدم المجرم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه"، لافتاً إلى أن "تجاهل التعديل لهذه المواد تدل على أن ثورة الغضب فوق القانون السوري".