يعد داء التوحّد الذي يصيب الاطفال واحدا من الامراض التي اكتشفت حديثاً حيث يعود تأريخ اكتشافه الى اربعينيات القرن الماضي.
ويطلق عليه تسمية الداء اللغز، لأنه لم يكن معروفاً ليس في المجتمعات فحسب وانما بين اوساط الملاكات الطبية ايضاً.
وقد اظهرت الدراسات الحديثة ازديادا واضحا بحالات الاصابة به اوعز ذلك الازدياد الى احتمالين الاول اتساع معرفة المجتمع بذلك الداء والثاني تطور وسائل الكشف المبكر عنه فضلاً عن تلوث البيئة وتأثيرها على الجينات التي تتسبب بداء التوحد.
يعرف الدكتور باهر بطي الطبيب المتخصص بالامراض النفسية بذلك المرض قائلاً: التوحد ترجمة للكلمة اليونانية ”Autism “ والتي تعني العزلة وهو ليس الانطوائية. لكنه اضطراب واعاقة في تطور النمو عند الطفل وتظهر اعراضه بشكل واضح في السنوات الثلاث الاولى من عمره
وهو مرض جيني يؤدي الى تشوهات في بنية الدماغ ما يؤثر في الكيمياء الحيوية فيه والتي تسبب الاعراض المعروفة للتوحد المتمثلة في قصور في النمو والتطور والذي يشمل قصورا في اللغة والتواصل الاجتماعي واللعب التخيلي فضلاً عن اعراض اخرى مرتبطة بذلك.
ويشير بطي الى ان شدة الاصابة بالمرض تتراوح ما بين الشديدة الى الخفيفة وتتفاوت الاعراض من طفل الى آخر، ضمن المصابين من يستطيع ان يكمل تعليمه ويحصل على وظيفة ومنهم من يطور مهاراته ويتعلم حرفة لكنه يظل يعاني من صعوبات نفسية واجتماعية، ومنهم من يعيش طوال حياته مكبلا بالعزلة وعدم الاندماج في المجتمع.
ويؤكد على ان التشخيص المبكر للمرض له اهمية كبرى في التدخل المبكر لمعالجة وتأهيل وتعليم الطفل المصاب به ما يؤدي الى نتائج جيدة تأخذ بيد الطفل المتوحد وتدمجه في المجتمع وتجعله معتمدا على نفسه ما يخفف العبء عن عائلته والمجتمع على حد سواء.
الأم الثلاجة
يعد العام 1943 الحد الفاصل بين التعامل مع الاطفال المتوحدين بشكل عشوائي غير علمي والتعامل مع الحالة بشكل علمي. ففي تلك السنة نشر طبيب نفسي الاطفال الاميركي ”ليو- كانر“ دراسة علمية اطلق فيها لاول مرة مصطلح التوحد ويأتي ذلك بعد ان درس احدى عشرة حالة من الاطفال المنزوين والمنطوين على انفسهم والذين صنفوا سابقا بانهم مصابون بمرض الشيزوفرينيا الطفولي على الرغم من عدم وجود الهلوسة والتهيؤات الصوتية والبصرية التي تميز المرضى المصابين بهذا المرض.
وعندما وجد في دراسته تلك ان هناك صفات مشتركة بين الحالات الاحدى عشرة التي درسها كما ان هناك اعراضا وعلامات تميزها عن مرضى الانفصام او الشيزوفرينيا. وكما تميز عما كان ينشر كدراسات او كتب في ذلك الوقت.
وفي سنة 1960 عزا العالم والمحلل النفسي ”برونو- بيتلهيم “ ان لاسباب المرض علاقة مضطربة بين الطفل وامه فينعكس اضطرابها واحباطها ويأسها ونقص حنانها على الطفل ما يجعله ينفصل عن الواقع وسميت هذه النظرية الام الثلاجة.
وفي سنة 1965 تم تمييز حالات اخرى قريبة من داء التوحد سميت متلازمة ريت نسبة الى اسم مكتشفها النمساوي الدكتور اندرياس الذي اكتشف وجود حالات تختلف في اعراضها وسماتها عن داء التوحد بعد متابعة تلك الحالات لعدة سنوات.
اما في سنة 1978 اعلن الطبيب برنارد يملاند مؤسس الجمعية الاميركية للتوحد ان عشرة بالمئة من المتوحدين يتمتعون بقدرات غير عادية في مجال الموسيقى والفن والرياضيات وقوة الذاكرة وقد وصفهم بالعلماء التوحديين.
اسباب ونظريات
يعد الكثير من الباحثين ان اسباب مرض التوحد ما زالت غامضة، وان هناك اسبابا متعددة له، ولكن البحوث الحديثة المعتمدة على احدث التقنيات في مجال التحاليل الطبية والجينية واجهزة الاشعة المتطورة قد اقتربت كثيراً من الاسباب التي تكمن وراء ذلك المرض.
وقد ظهرت الكثير من النظريات بهذا الصدد ومنها نظرية النخبة التي اشرت الى ان عائلات الاطفال المصابين بذلك الداء من العائلات الغنية والذين يعملون في التخصصات التي تتطلب ذكاء عالي المستوى ومقدرة كبيرة كما لوحظ ان آباءهم الذين ينتمون الى تلك العائلات منشغلون باستمرار عن اطفالهم وقد كان السبب لتبني الكثير من الاطباء لهذه النظرية.
اما النظرية الثانية: هي نظرية الام الثلاجة والتي تعزو داء التوحد الى برودة الام في التعامل مع طفلها كما تعزو المرض الى رد فعل نفسي لتصرفات احد الوالدين اوكلاهما ولاسيما عندما يكونان باردين في تعاملهما او منعزلين وغير ودودين او من كان لديهم مشاكل نفسية او انفصام في الشخصية وقد اثبتت الدراسات الحديثة خطأ مثل هذه النظرية.
النظرية الثالثة نظرية المناعة الذاتية التي قدمها الدكتور سنبك في العام 1999 المتخصص بمناعة الجهاز العصبي الذي وجد تحسنا ملحوظا في بعض الحالات التي اعطيت علاجا مضادا للمناعة حيث يرى ان التوحد ناتج عن نوع من المناعة الذاتية اي عندما يهاجم الجهاز المناعي للمريض جسمه.
المعادن الثقيلة
كشفت احدى الدراسات لحالات ”18 “ طفلا مصابا بمرض التوحد ان ستة عشر منهم يحوي جسمه نسبة من المعادن تفوق ما يتحمله الشخص البالغ لاسيما مادتا الزئبق والرصاص.
ويؤكد المتخصصون ان للزئبق دورا في الاصابة بالمرض لاسيما ان بعض التطعيمات تحوي هذه المادة لكن الدراسات لم تثبت صحة هذه الفرضية وبالتالي ابتعدت نظرية السبب المباشر للتطعيمات في التسبب بالتوحد.
ونلاحظ وبعد كل ما تقدم وجود العديد من النظريات بهذا الاطار قائمة على اسس علمية وقد اثبتت البحوث البعض منها , واستطاعت من خلال هذه النظريات رسم الخطوط العامة لهذا المرض والذي يهمنا نحن كأشخاص غير مختضصين ليس هذه النظرية انما مراقبة الأطفال و البحث عن المصابين بهذا الداء و تقديمهم إلى المراكز المختصة حتى يحصلوا على الرعاية المناسبة
السبت سبتمبر 03, 2016 4:12 am من طرف mahmoud
