جامع السليمانية هو أكبر جامع في مدينة استانبول، وهو مثال للأثر المعماري الأخاذ. ففي القرن السادس عرفت الإمبراطورية العثمانية تطوّراً وتقدماً في جميع مناحي الحياة. وقد حكم السلطان سليمان القانوني 47 عاماً، وبذلك تكون فترة حكمه هي الأطول من بين سلاطين الدولة العثمانية المائة وستة وثلاثين.
هذا السلطان الذي يصفه الغرب بالسلطان العظيم أراد أن يبني جامعاً فخماً فأوكل مهمّة ذلك إلى المهندس قوجه معمار سنان الشهير. شُرع بناء الجامع والمركّب الذي يحيط به في عام 1550 وتم الانتهاء منه في عام 1557، وبالإضافة إلى الكلية، تشكل مساحة الجامع سبعة وثلاثين دُنُمًا. وصرف في بنائه 996300 قطعة ذهبية. وتشير مآذنه الأربعة إلى أن السلطان سليمان القانوني هو الحاكم الرابع في استانبول. أما الشرفات العشر الموجودة في كل مئذنة فتشير إلى أن سليمان القانوني هو السلطان العاشر في الدولة.
توجد روايات كثيرة بشأن جامع السليمانية. من ذلك أنه حصل توقف في بناء الجامع وفي أثناء ذلك ظن شاه إيران أن ثمة أسبابًا مادية عطلت بناء الجامع، فأرسل كمية من المجوهرات إلى المعماري سنان، فغضب السلطان سليمان القانوني لذلك وأعطى المجوهرات إلى المعماري سنان، وطلب منه وضعها بين الحجارة. وتقول الروايات إن هذه المجوهرات مخفيّة اليوم تحت إحدى مآذن الجامع.
وهذا الجامع يعتبر بالفعل شاهداً على براعة هذا المهندس الذي يعتبر مؤسس الفن المعماري العثماني القديم ومُطوّرِه. ويتكون المُجمَّع الذي يُحيط بالمسجد من مدارس ومكتبة ( مكتبة السليمانية المعروفة التي تحتوي على نحو 70 ألف مخطوط، 80% منها باللغة العربية)، وحمام ومطعم خيري لتوزيع الطّعام على الفقراء، وخانة للقوافل (كَروان سَراي) ومُستشفى ومحلاّت تجاريّة. ولكي تَكتشف جَمال المشهدِ الخارجيّ لهذا الجامع يَحسُن بك أن تنظر إليه من بعيد، وخير مكان يمكنك من الاستمتاع بمهابته وعظمته هو قلعة "غلاطة" الواقعة على ساحل الخليج الذهبي. ويوجد في جامع السليمانية أربع منارات، وبه قبّة ضخمة تغطّي القسم الداخلي من الجامع كله. والمدخل الرئيسي للجامع مُحاط بالأروقة، ووسَطه ساحةُ الجامعِ، ويوجد بها "الشاذروان" (مكان الوضوء)، وعندما تجتاز إلى القسم الداخلي من المسجد يأخذك الجَمال الهندسيّ والزينة التي تغطي جدران المسجد. يبلغ ارتفاع القبة الرئيسية 53 متراً، وتقوم هذه القبة على أربعة أعمدة هائلة يُطلق عليها اسم "أقدام الفيل" لسُمكها وضخامتها، وهناك تناسق مهيب بين مكونات وعناصر هذا المكان.
وبالرغم من الزلازل التي تضرب استانبول من حين لآخر عبر الزمن، فلم تحدث ولو شقوق بسيطة. والزرابي المفروشة فيه صناعة يدويّة، وقد بُسطت فيه في عام 1650 م. ومن أكثر ما يشدّ النظرَ الألوان الأخاذة التي نُقشت على الزجاج الموجود على حائط المِحراب. وهذه النّقوشُ تَرجعُ إلى القرن السّادس عشر، وهي فنّ تركيّ أصيل. وأما المنبر فقد شُيّد من الرّخام (المرمر) وزُينت أطرافه بالخزَف، ويوجد مجلس السلطان على الجهة الشمالية من المِحراب، كما أنّ جدران المسجد قد زُينت بآيات من القرآن الكريم وكُتبت بخطّ جميل، وهي نموذج واضحٌ لفن الخط التركي. وقد قيل إنّ القرآن نزل في الحجاز، وقُرئ في مصر وكُتب في استانبول. وهناك على المدخل الرئيسيّ في الناحية الأمامية أماكن مخصصة للنساء، وفي السّاحة الخلفية من المسجد نجدُ ضريحاً كبيراً للسلطان سليمان القانوني وبجانبه يوجد ضريح آخر لأحبّ زوجاته إليه "روكساناَ"، وحول هذين الضريحين تُوجد أضرحة أخرى لأشخاص آخرين لهم أهميتهم دُفنوا هناك عبر أزمنة مختلفة.
وهناك ضريح آخر صغير في طرف هذا المُجمّع في غايةِ التّواضع، وهو للمعمارِ سنان الذي عاش 99 عاماً وعمل رئيساً للمعماريّين في الدولة العثمانية لمدّة خمسين عاماً، وكان هذا المهندس نشيطاُ معطاءً، فخلال عمره الطويل أتم أكثر من 400 أثر بين مسجد وكلية ومدرسة. وهو يُعتبر مؤسس الهندسة العثمانية الكلاسيكية. وطُلابه الذّين علمهم أبدعوا هم بدورهم الكثير من الآثار في البلادِ التي هم فيها.